السر الثالث للحكمة، والذي تفهم به أسرار المقادير، ويجتمع شتاتها، وينحل ما
يتوهم منها من تناقض هو التعرف على معنى الحمد، وكونه الغاية التي تنتهي إليها
المعرفة بالله، والتي هي مقصد الكون.
ومما يدل على كون الحمد غاية من غايات الخلق أن جميع الرسل ـ عليهم الصلاة
والسلام ـ وجهوا أقوامهم إلى شكر الله:
فهذا موسى - عليه
السلام - يخاطب قومه الجاحدين المخاصمين لربهم، الذين غمر القنوط حياتهم، فصاروا
ينظرون بعين سوداوية لكل الأشياء، فلا يرضيهم شيء، ولا تسعدهم نعمة، بالشكر، فيقول
الله تعالى:﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ
عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ
وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ
مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ﴾ (ابراهيم:6)
وفي آية أخرى
يأمرهم - عليه السلام - بذكر نعم الله المعنوية عليهم، يقول تعالى:﴿ وَإِذْ
قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ
جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ
أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ (المائدة:20)
وقال تعالى عن نوح ـ
عليه السلام ـ هو يعدد نعم الله على قومه:﴿ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ
مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ
وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12) مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا
(13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14) أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ
سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ
الشَّمْسَ سِرَاجًا (16) وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17)
ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا (18) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ
الْأَرْضَ بِسَاطًا (19) لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا (20)﴾
(نوح)