دقة مسلكه، وكاد
يعرض عن معنى الرحمة التي هي المقصود الأول من البيان في هذه الآية، أو كما قال تعالى:﴿ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا
فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ
خَبِيراً﴾ (الفرقان:59)
وهذه الآية تدل على أن
الخبراء بالله العارفين به يدركون هذا المعنى، فلذلك كان أكثر كلام العارفين في
التحبيب في الله والدلالة على أبواب رحمته، بل كان أعظم العارفين a هو الرحمة المهداة.
ولهذا يربط القرآن
الكريم بين ملك الله الذي يعني تدبير الله للأشياء وبين رحمته تعالى، كما قال تعالى:﴿ الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْماً عَلَى الْكَافِرِينَ
عَسِيراً﴾ (الفرقان:26)
ولذلك ورد في القرآن
الكريم الإخبار عن سعة الرحمة الإلهية وشمولها باعتبار الكون مؤسسا عليها إنشاء
وتدبيرا، قال تعالى:﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ (الأعراف:من: 156)، وقال
تعالى:﴿ فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلا
يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ﴾ (الأنعام:147)
فالآيتان الكريمتان
صريحتان في سعة الرحمة الإلهية وشمولها لكل شيء، ولم يرد في القرآن الكريم اقتران
السعة بشيء من صفات الله إلا في صفتي الرحمة والعلم.
وقد بينا في الفصل
الأول أن العلم هو أوسع الصفات الإلهية حيث يتعلق بالواجب والجائز والمستحيل،
فاعتبارالرحمة مماثلة للعلم في السعة يدل على المدى العظيم لسعتها، قال تعالى في
بيان سعة علمه:﴿ وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ
وَقَدْ هَدَانِ وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي
شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ﴾
(الأنعام:80)، وقال تعالى:﴿ قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ
عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ
لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا
كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا
وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ﴾
(لأعراف:89)، وقال تعالى:﴿ إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ
إِلَّا هُوَ وَسِعَ