والقرآن الكريم
ينبهنا إلى أن ما نتوهمه رحمة منا قد نزكي بسببها أنفسنا هو في حقيقته رحمة إلهية،
ولذلك نسب الخضر u ما بذله من جهد لحفظ مال
اليتيمين رحمة من الله، قال تعالى:﴿ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ
لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا
وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا
وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي
ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً﴾ (الكهف:82)
ونسب ذو القرنين ما
فعله من بناء السد إلى رحمة الله، قال تعالى:﴿ قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ
رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي
حَقّاً﴾ (الكهف:98)
* * *
انطلاقا من هذه
المعاني سنتحدث عن بعض مظاهر رحمة الله في هذه النشأة، وقد قسمنا الحديث فيها إلى
قسمين:
الرحمة الخالصة،
وهي الرحمة الصرفة التي لم تمزج بشيء من الآلام.
والرحمة الممزوجة،
وهي التي مزجت ببعض الآلام لما تقتضيه الحكمة الإلهية وأسماء الله الحسنى.
1 ـ الرحمة الخالصة:
الرحمة الخالصة هي
الرحمة التي تهب من ريح الجنة لترسم نموذجا عن جمالها، فلذلك يراها كل الخلق
ويسعدون بها ويعيشون فرحين بنشوتها، ولكنهم قد يغفلون عن مرسلها أو عن الحكمة منها،
فتصبح شركا لأرواحهم وقيدا لنفوسهم يجذبهم إلى الخلود إلى الأرض.
وتجليات هذه الرحمة
لا حدود لها، فهي تشمل كل الأشياء، ( فلو أنعم الانسان النظر في سير الحوادث
ابتداءً من أضعف كائن حيّ وأشده عجزاً وانتهاءً بأقوى كائن،