قد يقال بعد هذا:
فإذا كان الأمر راجعا للإنسان، وأنه هو الجاني على نفسه، وأن الأمر كما قال تعالى:﴿ مَا
أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ
نَفْسِكَ﴾ (النساء: 79)، فكيف ينسجم هذا، وقد نسب الله تعالى الجميع من الحسنات والسيئات إليه، وذلك في الآية
الكريمة السابقة لهذه الآية:﴿ وَإِنْ
تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ
سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُل كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ
هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً﴾ (النساء:78)
والجواب عن ذلك: أن
القرآن الكريم ـ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ـ يستحيل فيه
التناقض، إنما التناقض في الفهم المحدود الذي لا يستطيع أن يستوعب المعاني
المتعلقة بالألوهية، فيقيسها بمعاني البشرية، فكل الأشياء من الله خلقا وتقديرا،
وذلك لا يلغي كسب العبد، وتأثيره في حصول النتائج.
وزيادة على هذا،
فإن الله تعالى ذكر عن المنافقين والذين في قلوبهم مرض الناكصين عن الجهاد ما ذكره
بقوله:﴿ أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي
بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ
اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُل كُلٌّ
مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ
حَدِيثاً﴾ (النساء:78)
* * *
قد يقال بعد هذا:
نعم، إن أقدار الله لا تتنزل إلا بالخير، فصفات الله تعالى، والتي هي كلها محامد
لا يصدر منها إلا الخير، وإنما كسب الإنسان هو الذي يحول الخير شرا والعافية بلاء
والجمال دمامة.
لكن ما القول في
بعض ما نراه شرا مجردا، لا وجه للخيرية فيه، كخلق الشياطين المضللة، بل كتقدير
المعاصي نفسها، فلو أن الله تعالى خلقنا معصومين لما حاق بنا ذلك العذاب،ولما
تنزلت بنا تلك الآلام؟