ـ اذا رأى في
الفضاء نجماً مذنباً يعتوره الخوف ويرتعش هلعاً ويتساءل بقلق: ألا يمكن لهذا النجم
أن يرتطم بأرضنا؟ فيتردى في وادي الاوهام)
ولذلك، فإن
الصالحين المنورين بنور العبودية لا يخافون من الأقدار، بل يستقبلونها كما يستقبل
المحب هدايا محبوبها، ولا يثقلهم الهم بما يأتي لعلمهم بأن الله هو الذي يحمل ذلك
الهم عنهم، قال النورسي مصورا تصور المؤمن لقدر الله:( كما ان القدر لا يورث
ضيقاً، فانه يمنح خفة بلا نهاية وراحة بلا غاية وسروراً ونوراً يحقق الأمن والامان
والروح والريحان؛ لأن الانسان إن لم يؤمن بالقدر يضطر لأن يحمل ثقلاً بقدر الدنيا
على كاهل روحه الضعيف ضمن دائرة ضيقة وحرية جزئية وتحرر مؤقت، لأن الانسان له
علاقات مع الكائنات قاطبة، وله مقاصد ومطالب لا تنتهيان الاّ ان قدرته وارادته
وحريته لا تكفي لإيفاء واحدٍ من مليون من تلك المطالب والمقاصد، ومن هنا يفهم مدى
ما يقاسيه الانسان من ثقل معنوي في عدم الايمان بالقدر، وكم هو مخيف وموحش.
بينما الايمان
بالقدر يحمل الانسان على أن يضع جميع تلك الاثقال في سفينة القدر، مما يمنحه راحة
تامة، اذ ينفتح امام الروح والقلب ميدان تجوال واسع، فيسيران في طريق كمالاتهما
بحرية تامة. بيد أن هذا الايمان يسلب من النفس الامارة بالسوء حريتها الجزئية
ويكسر فرعونيتها ويحطم ربوبيتها ويحدّ من حركاتها السائبة)
وضرب مثالا على لذة
الإيمان بالقدر، برجلين يسافران معاً الى عاصمة سلطان عظيم، ويدخلان الى قصر
السلطان العامر بالعجائب والغرائب، أحدهما لا يعرف السلطان ويريد ان يسكن في القصر
خلسة ويمضي حياته بغصب الاموال، فيعمل في حديقة القصر. ولكن ادارة تلك الحديقة
وتدبيرها وتنظيم وارداتها وتشغيل مكائنها واعطاء ارزاق حيواناتها الغريبة وامثالها
من امورها المرهقة دفعته الى الاضطراب الدائم