الرحيم تعالى
قابلية التكليف، فلا علاقة للآلام بتهذيبهم، لعدم تلطخهم، ولا علاقة له بأعمالهم
لعدم تكليفهم؟
وللجواب عن ذلك
نقول:
إن هذه المسألة من
أخطر المسائل التي تاه فيها العقل البشري، إلى أن جر بعضهم إلى الإلحاد بسببها،
ولذلك لا بأس أن نورد بعض هذا التيه لنبين قيمة النور الذي يستفيده المؤمن من وحي
الله العاصم من تلك الأوحال، وذلك التيه.
أما الملحدون،
فأعموا قلوبهم القاسية عن الاهتمام بذلك، بل قالوا: إن كل ذلك من تصرف الطبيعة
وفعلها، وليس لذلك فاعل مختار مدبر بمشيئته وقدرته.
وذهب القائلون
بالتناسخ إلى أن الأرواح الفاجرة الظالمة تودع فى الحيوانات التى تناسبها، فينالها
من أَلم الضرب والعذاب بحسبها، فلذلك كانت مستحقة لما يصيبها من آلام.
وذهب آخرون إلى
إسناد الشر والخير إلى إلهين مستقلين كل منهما يذهب بخلقه، وذكروا أَن هذه الآلام
والشرور من الإِله الشرير المظلم فلا تضاف إِلى الإِله الخير العادل ولا تدخل تحت
قدرته.
وذهب آخرون إلى أن
البهائم مكلفة مأْمورة منهية مثابة معاقبة، وأن فى كل أُمة منها رسول ونبى منها،
وهذه الآلام والعقوبات الدنيوية جزاءٌ على مخالفتها لرسولها ونبيها.
وذهب آخرون إلى أن
البهائم والأَطفال لا تتألم أبدا[1].
[1] وهذا المذهب له وجوه من الحقيقة تدل عليه،
فالأطفال والبهائم لا تدرك الآلام حسبما يدركها العقلاءُ، فإن العاقل إذا أدرك
تأَلم جوارحه وأَحس به تأْلم قلبه وطال حزنه وكثر هم روحه وغمها، وهذه الآلام
زائدة على مجرد أَلم الطبيعة، ولا ريب أن البهائم والأطفال لا تحصل لها تلك الآلام
كما يحصل للعاقل المميز، فإن أَراد القوم هذا فهم مصيبون، وإن أرادوا أنه لا شعور
لها بالآلام البتة وأنها لا تحس بها فمكابرة ظاهرة، فإن الواحد منا يعلم باضطرار
أَنه كان يتألم فى طفولته بمس النار له وبالضرب وغير ذلك. انظر: طريق الهجرتين:
249.