بلغ فعمل أعمالاً
استحق بها تلك الدرجة)، فقال:( يا رب، فهلا أحييتنى حتى أبلغ فأعمال عمله)، فقال:
كانت تلك لمصلحة تقتضى اخترامك قبل البلوغ، لأنى علمت أنك لو بلغت لاخترت الكفر، فكانت
المصلحة فى قبضك صغيراً، قال: فصاح الثالث بين أطباق النار وقال: يا رب، لم لم
تمتنى صغيراً؟ فما جواب هذا أيها الشيخ؟ فلم يرد إليه جواباً[1].
***
قد يقال هنا: نعم،
إن هذا أمر يحتاج إلى معرفة وجه الرحمة والعدل فيه.
والجواب عن ذلك ما
ذكرنا في الفصل الثاني من أن عدالة الله المطلقة تقتضي أن لا يدخل الجنة إلا
الطيبون، سواء بفطرتهم الأصلية التي لم تتدنس، أو بمقاومتهم للتأثيرات المفسدة
للفطرة.
فلذلك إن مات
الصغير من غير تدنس فطرته دخل الجنة برحمة الله المحضة، وكان حاله كحال الذين
خلقهم الله للجنة من غير معاناة للتكاليف، أما درجته فيها فتختلف بحسب فطرته، وقد
أخبر تعالى أنهم يلحقون بآبائهم المؤمنين كرما منه ورحمة، كما قال تعالى:﴿ وَالَّذِينَ
آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ
ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ
بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ﴾ (الطور:21)
أما إن تدنست فطرته
في صغره، فإنه يتعرض من الامتحان إلى ما يعيد لفطرته أصالتها، ثم يدخل الجنة برحمة
الله.
[1] نرى أن الجواب لمثل هذا الإشكال هو أن الله
تعالى برحمته أعطى كل شخص من الرحمة ما يتناسب معه، فلذلك لا يطلب غيرها، كما أن
الصبي لو عوض بلعبته قناطير الذهب والفضة لم يقبل.
وبناء على هذا، فإن هذه المسألة تقف في بدايتها، لأن سؤال الصبي مستحيل..
وما دام مستحيلا.. فلن تكون المسألة بهذه الصفة.
يضاف إلى هذا ما ذكرناه من قبل في مسألة امتحان غير المكلفين.. فالعدل
الإلهي يقتضي أن لا يدخل الجنة إلا الطيبون.