عن أنَس بن مالك
قال:( بينا رسول اللّه a بين أظهرنا في المسجد
إذا أغفى إغفاءة، ثم رفع مبتسماً قلنا: ما أضحكك يا رسول اللّه؟ قال: لقد أنزلت
عليَّ آنفاً سورة، فقرأ:﴿ بسم اللّه الرحمن الرحيم إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ
الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ﴾،
ثم قال: أتدرون ما الكوثر؟ قلنا: اللّه ورسوله أعلم، قال: فإنه نهر في الجنة
وعدنيه ربي عزَّ وجلَّ عليه خير كثير، هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة آنيته عدد
النجوم في السماء فيختلج العبد منهم، فأقول: رب إنه من أمتي، فيقول: إنك لا تدري
ما أحدث بعدك) [1]
ففي هذا الحديث إشارة
صريحة إلى علة تخصيص رسول الله a بهذه الرحمة الخاصة.
***
قد يقال هنا: فإن
قلبي يتقطع رحمة على الخلائق، بل إن من الصالحين من تمنى أن يدخل النار بدل
الخلائق، فكيف تكون هذه المقامات خاصة برسول الله a؟
والجواب عن هذا: إن
الفرق عظيم بين الدعوى والواقع، وبين ما يستشعره الإنسان من معان، وبين عرضه على
كير الامتحان.
ونحن لا ننكر
الدعوى ولا الشعور بها، ولا فضل من نطق بها، ولكن نقول: إن تلك المواقف الشديدة
التي لا يمكن تصورها، والتي لا تستمر ساعات وأياما، بل قرونا طويلة ممتدة تظهر
الطبيعة الحقيقية التي تتشكل منها الروح.
ولتصور هذا نرى كيف
تتخبط الخلائق في البحث عن المخلص الذي يخلصها من تلك الأهوال آلاف السنين، فلا
تجد إلا من يعتذر لهول الموقف.