قد يقال هنا: فإن
كان الجزاء محض رحمة إلهية، فلماذا لم يتساو الناس في الجزاء، بل لماذا اختلفت
درجاتهم في نعيم الجنان؟
والجواب عن ذلك،
والله أعلم، هو أن الأسماء الإلهية الحسنى تقتضي تنوع الجزاء بحسب الأعمال،
فالرحمة تقتضي إفاضة الإحسان بلا حدود، والعدل يقتضي توزيع الجزاء بحسب الأعمال،
والحكمة تقتضي ترتيب ما يدل على الطبائع والنفوس حتى يتشكل الجزاء منها.
والعقل والعادة
يدلان على هذا، فنحن في حياتنا لا نتعامل إلا على هذا الأساس، فنعطي لكل شيء ما
يستحقه من الجزاء بحسبه.
ولهذا يخبر القرآن
الكريم عن تنوع الجزاء بحسب تنوع الأعمال:
فأخبر تعالى أن عمل
العالم المؤمن يرفع درجات على عمل الجاهل، قال تعالى:﴿ يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ
فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا
يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ
دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ (المجادلة:11)
وأخبر أن عمل
المجاهدين أفضل من أعمال القاعدين، قال تعالى:﴿ لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ
وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ
عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ
اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً﴾ (النساء:95)
وأخبر أن أعمال
البر العظمى أعظم من كثير من أعمال الخير التي يتهافت عليها الخلق غافلين عن أصول
البر، قال تعالى:﴿ أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ
الْمَسْجِدِ