البشارة إلا أن
لها دلالة غير مباشرة على البشارة الحقيقية، ومثل ذلك أن يقال لمريض ميئوس من
مرضه:( أبشر، فإن هناك عملية خطيرة وشديدة وأليمة، وهي في ظاهرها عذاب، ولكنها في
حقيقتها علاج لهذا الداء)، أفلا يعتبر
هذا بشارة؟
وقد أشار إلى هذا
البعد التطهيري للعقوبة قوله a في آخر من يدخل الجنة:(
آخر رجل يدخل الجنة رجل يتقلب على الصراط ظهرا لبطن كالغلام يضربه أبوه وهو يفر
منه، يعجز عنه عمله أن يسعى فيقول: يا رب بلغ بي الجنة ونجني من النار! فيوحي الله
إليه: عبدي أنجيتك من النار وأدخلتك الجنة تعترف لي بذنوبك وخطاياك؟ فيقول: العبد:
نعم يا رب وعزتك وجلالك لئن نجيتني من النار لأعترفن لك بذنوبي وخطاياي! فيجوز
الجسر ويقول فيما بينه وبين نفسه: لئن اعترفت له بذنوبي وخطاياي ليردني إلى النار!
فيوحي الله إليه: عبدي اعترف لي بذنوبك وخطاياك أغفرها لك وأدخلك الجنة فيقول
العبد: وعزتك وجلالك ما أذنبت ذنبا قط ولا أخطأت خطيئة قط! فيوحي الله إليه: عبدي
إن لي عليك بينة فيلتفت العبد يمينا وشمالا فلا يرى أحدا ممن كان يشهده في الدنيا
فيقول: يا رب أرني بينتك! فيستنطق الله تعالى جلده بالمحقرات فإذا رأى ذلك العبد
يقول: يا رب عندي - وعزتك - العظائم المضمرات! فيوحي الله إليه: عبدي! أنا أعرف
بها منك، اعترف لي بها أغفرها لك وأدخلك الجنة، فيعترف العبد بذنوبه فيدخل الجنة،
هذا أدنى أهل الجنة منزلة فكيف بالذي فوقه) [1]
ولعل رؤية أهل
النار لنجاة مثل هذا هي التي جعلتهم يقولون:﴿ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا
نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ﴾ (فاطر: 37) ﴿
رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا
مُوقِنُونَ﴾ (السجدة: 12)