والنظرة العرفانية
الأولى، والتي توحد الله في المشيئة والإرادة لا ترى أي تناقض في الكون، لسبب
بسيط، وهو أن الله هكذا أراد الكون.
ومثال ذلك مثال الرسام
الذي يرى أن كل لون من ألوان لوحته في مكانه المناسب، فقد يكون اللون في بعض
المواضع حيا مونقا مليئا بالسعادة، ويكون في مواضع أخرى أسود مظلما، تنبعث منه
الكآبة، والرسام مريد للجميع، لأن الصورة لا تكتمل إلا بوجود الجميع.
أو مثال ذلك مثال
المخرج البارع الذي يصور في فيلمه كل المشاهد الفرحة والحزينة، وهو يريد ذلك كله ويقدم
عليه، لأن حقيقة الفيلم لا تقوم إلا به، بل هو يعلم أنه لو وضع فيلما خاليا من تلك
المشاهد المتناقضة قد لا يكون فعل شيئا مذكورا.
وهكذا، ولله المثل
الأعلى إرادة الله تعالى،
فقد توجهت إرادته لوجود هذا الكون بهذه الصورة البديعة، المتكاملة المتناسقة،
والقرآن الكريم يصرح بأن مشيئة الله هي التي اقتضت وجود الكون وأحداثة بهذه
الصورة.
بل إن النصوص الشرعية
تحثنا على مراعاة رد المشيئة لله في كل أمر، وتخبر
عن مراعاة الأنبياء والصالحين في تعابيرهم للاستثناء بمشيئة الله:
قال تعالى عن يوسف u لما التقى بأهله، وطلب منهم الدخول إلى مصر:﴿ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ
﴾ (يوسف:99)
وقال عن موسى u في استجابته للخضر u:﴿
سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً﴾ (الكهف:69)
وقال عنه في رده على
الشيخ الصالح:﴿ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ
الصَّالِحِينَ﴾ (القصص: 27)
وقال عن إسماعيل u في استجابته لوالده:﴿ يَا
أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾ (الصافات: 102)