ثم إن الله تعالى
قد كتب على نفسه كتابا بأن رحمته سبقت غضبه، وهذا الكتاب لا يخلف ولا يبدل.
بل إنه تعالى رحم
أهل النار، وسبقت رحمته غضبه في كل شؤونهم: رحمهم في حال شركهم بإقامة الحجة
عليهم، وبدعوتهم إليه بعد أن أغضبوه وآذوا رسله وكذبوهم، وأمهلهم ولم يعاجلهم، بل
وسعتهم رحمته فرحمته غلبت غضبه.
ثم إن الرسول a أخبر في حديث الشفاعة عن قول أولي العزم من الرسل:( إن ربي
قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله) [1]، وهو تصريح بأن هذا الغضب العظيم لا يدوم.
وبما أن أهل النار
إنما دخلوها بما استوجبوه من ذلك الغضب، فلذلك لو دام ذلك الغضب لدام عذابهم، إذ
هو موجب ذلك الغضب، فإذا رضي الله تعالى وزال ذلك الغضب زال موجبه.
ومثل ذلك ما ورد في
النصوص من أن عقوبات الدنيا العامة آثار غضب الله، فإذا استمر غضبه استمر ذلك
البلاء، فإذا رضي وزال غضبه زال البلاء وخلفته الرحمة.
ثم إن النصوص أخبرت
بأن رضى الله أحب إليه من غضبه، وعفوه أحب إليه من عقوبته، ورحمته أحب إليه من
عذابه، وعطاءه أحب إليه من منعه.
بل أخبرت أن الأصل
هو الرضى والعفو والرحمة والعطاء، وإنما يقع ما يضادها بأسباب تناقص موجب تلك
الصفات والأسماء.
ولهذا ورد في
النصوص الإخبار بأن الله وتر يحب الوتر، جميل يحب الجمال، نظيف يحب النظافة، عفو
يحب العفو، شكور يحب الشاكرين، عليم يحب العالمين،