حقائق القضاء والقدر من
أعظم حقائق الوجود وأهمها وأولاها بالمعرفة بعد معرفة الله، لأنها معرفة نظام
علاقة الله بخلقه، والقوانين التي تحكم ذلك، فكل شيء ـ كما أخبر الله تعالى ـ
مخلوق بقدر، قال تعالى:﴿ إِنَّا كُلَّ
شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ (القمر:49)
ولكن.. لماذا ـ مع هذا
ـ تعتبر معانيها أسرارا، وحقائقها ألغازا، ومكشوفاتها غوامض؟
وهل السر إلا ذلك الذي
يخزن في الصدر، فلا يكشف، ويخبأ في سراديب الوجدان، فلا يرى، ومن يكشفه يتعرض
للمقت، فقلوب الأحرار قبور الأسرار!؟
ثم كيف لنا نحن البسطاء
الذين نشكل صفرا عريضا في بنيان هذا الكون أن نكشف أو نكتشف أسرار الأقدار، وقد
تهنا في التعرف على بعض أسرار هذا الكون المادي البسيط الذي نعيشه أو نعيش فيه،
وأسرار الأقدار هي أسرار الكون جميعا، بل هي أسرار الأزل والأبد؟
وتتفرع عن هذه
التساؤلات تساؤلات أخرى كثيرة تمتلئ بها جوانح قلوبنا ومدرجات جامعاتنا وأزقة
شوارعنا، يسألها العامة والدهماء، كما يسألها الخاصة والكبراء، وتطرح كل إجابة
سؤالا، ويلقي كل كشف سرابيل جديدة من الغموض.
فهل نستطيع الإجابة على
هذه التساؤلات؟
وهل يمكن أن نصل في هذا
الباب ـ الذي أراد البعض إغلاقه درءا للفتنة ـ إلى مرحلة اللاغموض، أو المرحلة
التي يستسلم فيها الوجدان لله، محبة له ورضا بالقوانين التي تحكمه، وقناعة بأن
الله أحكم الحاكمين، وأعدل القاضين، وخير المهندسين؟
في هذا البحث نحاول
الوصول إلى هذه النتيجة العظيمة بثقة عظيمة، لأننا نحمل سراجا تنكشف به الحقائق،
وتحل به الألغاز، وتفك به الطلاسم، وتقرأ به جميع الأبجديات الغريبة التي سطرت بها
شيفرة الكون.
وهذا السراج ـ الذي هو
نور على نور ـ هو كلام الله تعالى، فهو وحده الهادي في مثل