عنايته، وقابلتك
رعايته؟ لم يكن في أزله إخلاص أعمال، ولا وجود أحوال. بل لم يكن هناك إلا محض
الإفضال، وعظيم النوال)
وهذا هو الأثر الإيماني
اللذيذ الذي يعمر القلب بحلاوة الإيمان، فعناية الله الأزلية هي السبب في كل نعمة،
وهذا ما يشعر القلب بمحبة الله واصطفائه على الكثير من خلقه، وهو ما يجعله يعبد
الله مستشعرا منته عليه، وإحسانه السابق إليه.
فهذا هو مقصود العارفين
من ذكر التوحيد بجانب الدعاء، فالدعاء سبب شرعي معتبر، ولكن الشرع الذي شرع الدعاء
وبين تأثيره في قضاء الحوائج هو الذي بين سبق عناية الله بعبده، فيفنى العارف في
الفضل السابق، وينشغل الغافل بالسبب اللاحق.
وقد ورد عن بعض
العارفين في بعض أحوالهم ترك الدعاء رضى بالقسمة الإلهية وعدم منازعة الأقدار، كما
قال معبرا عن ذلك ابن عطاء الله بقوله:( ربما دلهم الأدب على ترك الطلب ؛ اعتماداً
على قسمته ؛ واشتغالاً بذكره عن مسألته)
أي قد يكون من الأدب
الباطن مع الله ترك السؤال والطلب، اشتغالا بالذكر أو رضى تصاريف الأقدار ؛ وقد
ورد ما يؤيد هذا من النصوص كقوله a في الحديث القدسي:( من
شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين)[1]
[1] رواه البخاري في التاريخ والبزار في المسند
والبيهقي في الشعب، وهو يشير إلى ما ورد في النصوص من الحث على الجمع بين الذكر
والدعاء، وذلك كما ورد في الحديث أن رسول الله r سمع رجلا يدعو في صلاته لم يحمد الله تعالى ولم يصل على
النبي r فقال رسول الله r:عجل هذا، ثم دعاه فقال له أو لغيره: (إذا صلى أحدكم
فليبدأ بتمجيد ربه عز و جل والثناء عليه ثم يصلي على النبي r ثم يدعو بعد بما بشاء) رواه أحمد والترمذي وقال: حديث
حسن صحيح ورواه الحاكم في صحيحه.
ويدل لهذا من القرآن الكريم قوله تعالى عن دعاء يونس ـ عليه السلام
ـ:﴿ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ (الانبياء: 87)،
وقد ورد في الحديث عن فضل هذه الدعوة قوله r:( دعوة أخي ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت:﴿ لا إِلَهَ إِلَّا
أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ فإنه لم يدع بها
مسلم قط إلا استجاب له)رواه الترمذي.