فالداعي إذا عرف أن
الدعاء علامة على استجابة الله قد يجعله أكثر إقبالا إليه من اعتقاده سببا، فالسبب
قد يقصر عن تحقيق المطلوب بخلاف جعله علامة.
وقد عبر الشاعر عن هذا
المعن بقوله:
لو لم ترد نيل ما أرجوه وأطلبه من جود كفيك ما علمتنى الطلبا
والناحية الأخرى هو
الأثر الروحي الذي يتركه اعتقاد كون الدعاء أو العبادة أمارة لا سببا في حد ذاته،
والذي سنراه في الجانب المعرفي.
الجانب المعرفي:
بما أن دور العارفين
التربوي هو الحديث عن الجوانب المعرفية المتعلقة بالتكاليف الشرعية، وجمع القلوب
على حقائق التوحيد، تكميلا لدور الفقهاء، لا مناقضة لهم، فقد ألحوا على جانب
مراعاة العبودية في الدعاء مع الاعتقاد بالمنة لله في الدعاء او في تحقيقه، ولذلك قال أبو الحسن الشاذلي:( لا يكن همك في دعائك الظفر بقضاء حاجتك
فتكون محجوباً، وليكن همك مناجاة مولاك)، وقال ابن عطاء الله:( لا يكن طلبك تسبباً إلى العطاء منه، فيقل فهمك عنه.
وليكن طلبك لإظهار العبودية، وقياماً بحقوق الربوبية)
ثم علل كون الطلب لا
يكون سبباً للعطاء بثلاث علل:
أما العلة الأولى، فعبر
عنها بقوله:( كيف يكون طلبك اللاحق سبباً في عطائه السابق؟)، فعطاء الله للعبد
عطاء أزلي سابق، وهو السبب في العطاء الحادث، والسبب لا بد من تقدمه على المسبب،
وهو كما قال الواسطي: أقسام قسمت، وأحكام أجريت، كيف تستجلب بحركات أو تنال
بسعايات؟
أما العلة الثانية،
فعبر عنها بقوله:( جل حكم الأزل أن ينضاف إلى العلل)، أي أن حكم الله يتنزه ويتقدس
أن يؤثر فيه أي مؤثر.
أما العلة الثالثة،
فعبر عنها بقوله:( عنايته فيك لا لشيء منك، وأين كنت حين واجهتك