فما هي إلا
أيام وأشهر وسنوات حتى عادت السوق إلى حالها.. وعاد أهل السوق إلى حالهم.. وكأن
تلك الأموال التي امتلأت بها جيوبهم ومخازنهم لم تكن إلا حلما استيقظوا منه على
حياة النكد التي ألفوها وألفتهم..
قلت: أهذه هي
حكايتك مع أهل هذه السوق.. فلهذا أراك ناقما منهم؟
قال: لا..
حكايتي مع أهل هذه السوق أطول.. وأنا لم آتهم ناقما.. بل أتيتهم لأصلح الخطأ الذي
وقعت فيه المرة الماضية.. فما كان لتلاميذ السلام أن يحملوا نقمة.. وما كان
لتلاميذ السلام أن يسكتوا عن خطأ.. وما كان لتلاميذ السلام أن يقعدوا عن إصلاح.
قلت: فقد
أتيتهم بالمواعظ بدل الأموال؟
قال: تستطيع
أن تقول ذلك.. فقد رأيت أن المال لا يحميه شيء كما تحميه المواعظ..
قلت: ولكن
المواعظ سرعان ما تحاصرها جنود الغفلة التي يمدها الشيطان بمدده.. فيرتفع عن
القلوب تأثيرها، ويرتفع عن النفس أثرها.
قال: ولذلك
لم آت بالمواعظ وحدها.. فالمواعظ وسيلة من الوسائل التي يتم بها الإصلاح.. ومن
أعظم الأخطاء أن يقتصر العاقل في حربه مع الشيطان والنفس على بعض الوسائل.. فيؤتى
من قبل غيرها.
قلت: فبم
أتيت إذن؟
قال: لقد
بدأت ـ بمعونة والدي ـ بإحصاء العلل والآثام التي حولت السوق إلى هذه الحال.. فلا
يمكن أن يداوي الطبيب مريضا لا يعرف مرضه.
قلت: فما
العلل التي وجدتها بأهل هذه السوق؟
قال: سبع..
قلت: فقط..
إنهم أصحاء إذن..
قال: كل علة
منها كافية لأن تخرب كل حياة.. وتفسد كل صالح.. وتعوج كل مقوم.