قال: فكذلك
الإنسان.. كلما غفل عن النظر في حقيقته وتقويمها وربطها بمصدرها الأعلى كلما تمكنت
الآفات منه، وانحرفت به بعد ذلك.. لقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك، فقال :﴿
وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ
هُمُ الْفَاسِقُونَ (19)﴾ (الحشر)
قلت: ولكن
الآية تتحدث عن نسيان الله والغفلة عنه.. لا عن الإنسان لنفسه.
قال: لا يمكن
لإنسان أن يذكر نفسه أو يعرفها.. وهو لا يذكر ربه ولا يعرفه.. إن حقيقة الإنسان لا
يمكن أن تتجلى للإنسان إلا عندما يتصل بربه.
قلت: أكاد
أفهم ما تقول.. لكني أتعجب كيف يخلق الله نفسا شحيحة.. أتعجب لقوله تعالى
:﴿ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ ﴾ (النساء:128).. وغيرها من
الآيات التي تذكر الخراب الذي يملأ أعماق الإنسان.
قال: هو ليس
خرابا بالصورة التي تتصورها..
قلت: فما هو
إذن؟
قال: تستطيع
أن تقول: إنه لبنات.. ومواد خام.. نعم هي مفرقة في أرض النفس بحيث يهيأ لمن يراها
بأنه يرى خرابا.. ولكنها في الحقيقة إن وجدت أيد ماهرة ومهندسين خبراء.. فستتحول تلك
اللبنات إلى عمران ليس مثله عمران.
قلت: هل لي
بمثال يوضح لي هذا؟
قال: أنت
تعجبت من أن تفطر النفس على الشح؟
قلت: أجل..
ذلك صحيح.. والكل يتعجب من ذلك.
قال: هل ترى
أن حياة الإنسان يمكن أن تستمر.. ولحضارته يمكن أن تقوم.. ولوظيفة الخلافة فيه
يمكن أن تؤدى من غير أن تكون فيه هذه الخصلة؟
قلت: لو خلت
حياة الإنسان من الشح.. وخلت حضارته منه لعاش الإنسان إنسانا.