تطلبه نفسه
من الأعمال، فإن حمله الحسد على القدح في محسوده كلف لسانه المدح له والثناء عليه..
وإن حمله على التكبر عليه ألزم نفسه التواضع له والاعتذار إليه.. وإن بعثه على كف
الإنعام عليه ألزم نفسه الزيادة في الإنعام عليه، فمهما فعل ذلك عن تكلف وعرفه
المحسود طاب قلبه وأحبه، ومهما ظهر حبه عاد الحاسد فأحبه، وتولد من ذلك الموافقة
التي تقطع مادة الحسد، لأن التواضع والثناء والمدح وإظهار السرور بالنعمة يستجلب
قلب المنعم عليه ويسترقه ويستعطفه ويحمله على مقابلة ذلك بالإحسان، ثم ذلك الإحسان
يعود إلى الأول فيطيب قلبه ويصبر ما تكلفه أولاً: طبعاً آخر ولا يصدنه عن ذلك قول
الشيطان له: لو تواضعت وأثنيت عليه حملك العدو على العجز أو على النفاق أو الخوف
وأن ذلك مذلة ومهانة، وذلك من خداع الشيطان ومكايده بل المجاملة - تكلفاً كانت أو
طبعاً - تكسر سورة العداوة من الجانبي وتقل مرغوبها وتعود القلب التآلف والتحاب،
وبذلك تستريح القلوب من ألم الحسد وغم التباغض.
قال الرجل:
ما أجل هذا الدواء.. ولكني أراه شديد المرارة.
قال
المسعودي: نعم هو مر.. ولكن النفع في الدواء المر.. فمن لم يصبر على مرارة الدواء
لم ينقل حلاوة الشفاء.
قال الرجل: فهل
تدلنا على ما يخفف مرارته؟
قال
المسعودي: إنما تهون مرارة هذا الدواء بقوة العلم وبقوة الرغبة في ثواب الرضا
بقضاء الله تعالى وحب ما أحبه.
الحقد:
قلنا: عرفنا
الفرع الأول، فحدثنا عن الفرع الثاني.. حدثنا عن الحقد[1].
[1]
عرفه الجرجانيّ بقوله: الحقد: هو طلب الانتقام، وتحقيقه: أنّ الغضب إذا لزم كظمه
لعجز عن التشفّي في الحال رجع إلى الباطن واحتقن فيه فصار حقدا، وقيل: هو سوء
الظنّ في القلب على الخلائق لأجل العداوة (التعريفات ص 95)