وكيف يؤمن هؤلاء
أو يذعنوا للحق أو يكفوا عن الجدال، وتعظيمهم لأنفسهم يقف جدارا منيعا بينهم وبين
السماء يحول بينهم وبين الهداية التي تستقبلها كل الكائنات، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا
وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا
يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ
نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ﴾(الأعراف:40)
واختيار القرآن
الكريم لمثال الجمل الذي يحاول أن يدخل من خلال ثقب إبرة لبيان استحالة دخولهم
الجنة يشير إلى ذلك التعاظم، فكأن الجنة في أذهانهم ثقب إبرة، وكأنهم عند أنفسهم
جمل ضخم[1] لا تساوي
الجنة أمامه شيئا، ويستحيل على الجمل أن يلج سم الخياط.
والقرآن الكريم
يصف لنا مشهد قبض أرواح هؤلاء المتعاظمين وهم في سكرات الموت يحاولون الاحتفاظ
بحشاشة الروح التي لا تزال تنبض بها عروقهم، يفرون بها في كل موضع من جسدهم، كما
يفر الصبي الصغير من الحقنة فيضطر لإمساكه بشدة، وكذلك تفعل الملائكة الموكلة بقبض
روحه وهي تؤدي الوظيفة التي وكلت بها، قال تعالى:P وَلَوْ تَرَى إِذْ الظَّالِمُونَ فِي
غَمَرَاتِ
[1]
سئل ابن مسعود عن الجَمَلِ فقال هو زوج الناقة. كأنه استجهل من سأله عن الجمل،
وقرأ بعضهم الجُمل، وفسَّروه فقالوا قَلسُ السفينة.. معاني القرآن وإعرابه للزجاج
(2/ 338)