ولكني لم أكن وحدي، لقد كانت لي بطانة تزين لي ما أنا
فيه، بل تعينني عليه، قبضت على يزيد بن المهلب وعذبته، فكان يزيد يصبر على العذاب،
فقيل لي: إنه إن رمي بنشابة، فثبت أصلها في ساقه، فلا يمسها شيء إلا صاح، فأمرت أن
يعذب بذلك، وأن يدهق ساقه، فلما فعل به ذلك، صاح.
ثم سكت
قليلا، ثم قال: إني - والله - لا أعلم على وجه الأرض خلقاً هو أجرأ على دم مني[1]، لقد كان لي في القتل وسفك الدماء غرائب
لم يسمع بمثلها، أنا أحد أربعة في الإسلام، قتل كل واحد منهم أكثر من ألف ألف رجل.
وبعد وفاتي،
خلفت في حبسي ثمانين ألفاً، حبسوا بغير جرم، منهم خمسون ألف رجل، وثلاثون ألف
امرأة.. كنت أحبس الرجال والنساء في موضع واحد، ولم يكن لحبسي ستر يستر الناس من
الشمس في الصيف ولا من المطر والبرد في الشتاء [2]، وربما كان الرجل يستتر بيده من الشمس،
فيرميه حرسي بالحجارة، وكان أكثرهم مقرنين بالسلاسل، وكانوا يسقون الزعاف، ويطعمون
الشعير المخلوط بالرماد، وكان المسجونون في سجني يقرنون بالسلاسل، فإذا قاموا،
قاموا معاً، وإذا قعدوا قعدوا معاً.
وقد أحصي من
قتلتهم، سوى من قتلوا في حروبي، فوجدوا مائة وعشرين ألفاً، ووجد في حبسي مائة ألف
وأربعة عشر ألف رجل، وعشرون ألف امرأة، منهم عشرة آلاف امرأة مخدرة.
قلت: لم تذكر
كل هذا عن نفسك؟.. أتراك تفتخر به؟
قال: بل
أتعذب به.. إن هذه الذكريات المريرة التي تطاردني في هذه الوحدة والظلمة والرعب لا
أجد لها متنفسا إلا مع من يزور هذه الأوكار التي جعلها الله عبرة للمعتبرين.