لست أدري هل كانت هذه الأحداث التي أريد أن أحكيها
لكم اليوم أحداثا حقيقية حصلت لي وأنا مستيقظ، وفي كامل قواي العقلية، أم أنها
حدثت لي وأنا في المنام.. فقد اختلطت علي حينها حياة اليقظة بحياة الأحلام..
لكن الذي
أدريه أنني وبعد عودتي إلى هذا العالم الذي يعيش فيه جسدي، ويعيش فيه معي الناس،
تحققت من كل شيء عشته حينها، فوجدته كما رأيته وسمعته.. فلذلك رحت أبثه لكم مثلما
عاينته بالضبط.
وبداية
حكايتي تنطلق مني، ومن قريتي الصغيرة المتواضعة .. فقد رأيت يومها ذلك الضخم
الغليظ الذي استبد بشؤون قريتنا، فراح يحيي فيها سنة فرعون وهامان ونيرون، وراح المستضعفون
من حوله يتلاشون ويتساقطون كما يتساقط الذباب عندما تنزل عليه أمطار المبيدات.
كان ضخما..
وكان لا يرى نفسه إلا ضخما.. ولا يرضى من أهل قريتي البسطاء أن يروه إلا كما يرى
نفسه.. والويل لمن لم يره كما يرى نفسه.
وكان منظره
هذا يملأ نفسي بالصراع.. ويملأ المستضعفين من أمثالي بأنواع من الألم لا يمكن أن
نعيش أي سلام معها.
لقد كنا نشعر
بسيره إذا سار.. فالأرض تندك من حوله، وبيوتنا المصنوعة من طين الأرض التي خلقنا
منها تتشقق كما تنشق أجسادنا.. فهي ترهبه كما نرهبه، وتعرف منه ما نعرف منه.
وكان صوته
المجلجل يخنق أنفاسنا، ويملأ أزيزه عروقنا ضيقا، فينحصر الدم في خلايانا، ويشع من
وجوهنا بريق الصفرة القاتلة.