ولم يكن وحده في استبداده وكبريائه وطغيانه.. بل كان
يحيط به بطانة من الناس لا يقلون عنه استبدادا وطغيانا، وإن كانوا يسيرون أمامه وخلفه
وبين يديه كالعبيد والأقزام، يصفقون له، ويقبلون يديه، وينحنون برؤوسهم أمامه، بل
يكادون يسجدون له..
في تلك النوبة
من نوبات الصراع التي تنتابني عندما أراه أو أسمع صوته، جاءني معلم السلام بهدوئه
وصفائه وروحانيته، وطلب مني كعادته أن أقوم وأصحبه..
قلت: إلى
أين.. فأنت ترى هذا الضخم قد سد علينا نور الشمس، وغل أيدينا وأرجلنا عن كل حركة؟
قال: ألا
تريد أن ترى حقيقته؟
قلت: أتريدني
أن أزداد ألما وصراعا وحزنا؟
قال: لن
تنتصر على الصراع إلا بالمعرفة والمواجهة.. فعندما تراه على حقيقته ينكشف عنك كل
ألم، ويعود لعينيك إبصارهما لترى الأشياء كما هي .. لا كما تتوهم.
قلت: وما
فائده هذه المعرفة؟
قال: أن
تتخلص من الأغلال التي تحول بينك وبين الثورة والمواجهة.
قلت: الثورة
على من؟.. ومواجهة من؟
قال: الثورة
على ضعفك وخنوعك وذلتك.. فما كان للمستكبرين والطغاة والمستبدين أن يمارسوا
كبرياءهم لولا ضعفك وخنوعك وذلتك.. ألم تسمع قوله تعالى: ﴿ فَاسْتَخَفَّ
قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ﴾ [الزخرف:
54]؟
قلت: بلى،
ولكن ذلك فرعون.. وأولئك قومه.
قال: وهل ترى
الله تعالى ذكر فرعون ليسليك، أم ذكره ليربيك..
قلت: بل ذكره
ليربيني، وقد قال تعالى بعد الآية السابقة: ﴿فَلَمَّا آسَفُونَا
انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْنَاهُمْ
سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ ﴾ [الزخرف: 55، 56]