يقول حاكيا عن ربه عز وجل: (إن
أغبط أوليائي عبد مؤمن خفيف الحاذ ذو حظ من صلاة، أحسن عبادة ربه، وأطاعه في السر
والعلانية، وكان غامضا في الناس، لا يشار إليه بالأصابع، وصبر على ذلك)، ثم نقر
رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم بيده، وقال: (عجلت منيته، وقل
تراثه، وقلت بواكيه)[1]
وصور a في حديث آخر هذا الجندي المجهول الصادق، وقيمته عند أهل الأرض،
وقيمته عند أهل السماء، فقال: (إن أهل الجنة كل أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له،
الذين إذا استأذنوا على الأمراء لم يؤذن لهم، وإذا خطبوا النساء لم ينكحوا، وإذا
قالوا لم ينصت لقولهم، حوائج أحدهم تتلجلج في صدره، لو قُسم نوره يوم القيامة على
الناس لوسعهم)[2].
و قال يصفهم: (إن من أمتي من لو
أتى أحدكم يسأله دينارا لم يعطه إياه، ولو سأله درهما لم يعطه إياه، ولو سأله فلسا
لم يعطه إياه، ولو سأل الله تعالى الجنة لأعطاها إياه، ولو سأله الدنيا لم يعطه
إياها، وما منعها إياه إلا لهوانها عليه، ذو طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله
لأبره)[3]
وقيمة هؤلاء ـ أيها الرفيق
العزيز ـ ليس فقط في خفائهم، أو جهل الناس بهم، أو في صدقهم، وإنما في نجاتهم من
الفتن؛ فالفتن لا يقع فيها إلا أولئك الذين يحبون الأضواء والشهرة والرئاسة، ويتصارعون
عليها، ويقعون في كل أنواع الفتن بسببها.
لقد قال a مشيرا إلى هذه الهدية الكبيرة التي يتلقاها الهاربون من الأضواء:
(إن اليسير من الرياء شرك، وإن الله يحب الأتقياء الأخفياء الذين إن غابوا لم
يفقدوا وإذا
[1] رواه
ابن ماجه رقم 4117. والكليني في الكافي ج 2 ص 141 رقم 6 باختلاف فيه.