وأخبر رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم عن ذلك، وأنه مصدر كل الفتن والبلاء،
فقال: (لا تكونوا إمّعة، تقولون: إن أحسن النّاس أحسنّا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن
وطّنوا أنفسكم، إن أحسن النّاس أن تحسنوا، وإن أساءوا فلا تظلموا)[1]
وحكى لنا حفيده الإمام الصادق
حكاية لا تصلح إلا لمن توهموا أن عقولهم ستحجبهم عن الجنة، وتحول بينهم وبين فضل
الله، فقد روي أنه ذكر له فضل شخص من الناس وكثرة عبادته، فلم يهتم كبير اهتمام
بذلك، وإنما راح يسألهم عن عقله، ثم ذكر لهم سبب ذلك السؤال، وأن العقل هو مناط
الثواب والعقاب، وبه يميز السابقون من المتخلفين، فقال: (إن رجلاً من بني إسرائيل
كان يعبد الله في جزيرة من جزائر البحر، خضراء نضرة، كثيرة الشجر ظاهرة الماء وإن
ملكاً من الملائكة مرَّ به فقال يا رب أرني ثواب عبدك هذا)، فأراه الله تعالى ذلك،
فاستقله الملك، فأوحى الله تعالى إليه: أن اصحبه فأتاه الملك في صوره إنسي فقال
له: (من أنت؟) قال: (أنا رجل عابد بلغني مكانك وعبادتك في هذا المكان فأتيتك لأعبد
الله معك)، فكان معه يومه ذلك فلما أصبح قال له الملك: (إن مكانك لنزه، وما يصلح
إلا للعبادة)، فقال له العابد: إن لمكاننا هذا عيباً)، فقال له: (وما هو؟) قال:
(ليس لربنا بهيمة فلو كان له حمار رعيناه في هذا الموضع، فإن هذا الحشيش يضيع)،
فقال له ذلك الملك: (وما لربك حمار؟). فقال: (لو كان له حمار ما كان يضيع مثل هذا
الحشيش)، فأوحى الله إلى الملك: (إنما أثيبه على قدر عقله)[2]
أرأيت أيها الرفيق العزيز قيمة
العقل، وقيمه صاحبه عند الله، وأنه حتى لو نجا، فإنه لن يكون في ذلك المحل الذي
يصل إليه أصحاب العقول المنورة بنور الحقائق،
[1]
الترمذي (2007) ، وقال: هذا حديث حسن غريب. وقال محقق جامع الأصول (11/ 698) حديث
حسن.