وهذا أول وصف من أوصافهم، ولولاه
لم يكونوا بتلك الدرجة، ولم ينالوا ذلك الثواب، فكرامة الله لعباده مرتبطة
بعبوديتهم، وعبوديتهم مرتبطة بتواضعهم.. والذي قد يصل إلى حد المذلة، كما قال
تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ
فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة: 54]
هذه هي أوصاف المؤمنين ـ أيها
الرفيق العزيز ـ وهي التي تضع على رأسك تاج الوقار الحقيقي، لا تاج الوقار
المزيف.. فالوقار هبة الله للمتواضعين الممتلئين بالعبودية، وليس للمستكبرين منه حظ..
وحتى لو هابهم الناس، فهيبتهم هيبة خوف، لا هيبة محبة، وهي سرعان ما تتحول إلى
استخفاف وسخرية.
ولهذا نصحنا رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم بأن نطلب الوقار من أبوابه الحقيقية،
لا من أبوابه المزيفة، فقال: (طوبى لمن تواضع في غير منقصة، وذلّ في نفسه من غير
مسألة، وأنفق مالا جمعه في غير معصية، ورحم أهل الذّلّ والمسكنة، وخالط أهل الفقه
والحكمة.. طوبى لمن طاب كسبه، وصلحت سريرته، وكرمت علانيته، وعزل عن النّاس شرّه،
طوبى لمن عمل بعلمه، وأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من قوله)[1]
وقال: (وإنّ الله أوحى إليّ أن
تواضعوا حتّى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد) [2]
وقال:(ما من امرئ إلّا وفي رأسه
حكمة، والحكمة بيد ملك إن تواضع قيل للملك: ارفع الحكمة، وإن أراد أن يرفع قيل
للملك: ضع الحكمة أو حكمته)
[3]