وقبل ذلك قال
تعالى في سور النحل المكية: ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ
الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴾ [النحل: 82]
وهكذا نجد
القرآن الكريم في جميع المراحل التي مرت بها رسالة الإسلام يدعو إلى رفع الوصاية
عن الخلق في معتقداتهم، وإتاحة الحرية لهم للتفكير والبحث والنظر، لأن العقائد لا
يمكن أن تصل إليها العقول والقلوب إلا بعد البحث والنظر والتفكير العميق.
أعلم أنك ستذكر
لي أن تلك القلوب والعقول التي تتعامل معها يستحيل أن تصل إلى الحقيقة.. ولنفرض
ذلك.. فهل أنت مكلف بدعوتهم، أم مكلف بهدايتهم.. لقد قال الله تعالى مخاطبا رسوله a ذاكرا له أن الهداية بيده، لا بيد أحد من الناس: {إِنَّكَ
لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ
أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } [القصص: 56]
بل إن القرآن
الكريم يصف بهذا الوصف جميع المؤمنين المتواضعين المستنين بسنة رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم في كيفية التعامل مع الخلق، والذين يكتفون بأداء ما
عليهم من تكاليف، ويسألون لخلق الله الهداية لسواء السبيل من دون أن يسيئوا الأدب
في ذلك لا مع الله، ولا مع عباد الله.. فقد علمنا الله أن نقول للمخالفين: {لَا
تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [سبأ: 25]
ولذلك فإن ما
تقع فيه، ليس حرصا على الدين، وإنما هو مرض من الأمراض، وعقدة من العقد النفسية،
التي جعلتك تختصر الحقائق في تلك القناعات التي اقتنعت بها، فصرت تطلب من العالم
جميعا أن يفكر بمثل تفكيرك، وينظر بنفس النظارات التي ترتديها.