فهل ترى أن هذه
الأمة معفو عنها في هذا الجانب؟.. أو أن علماءها أكثر حرمة من علماء بني
إسرائيل؟.. وكيف عرفت ذلك، ومن أين لك به، وقد أخبر رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم أنهم لو دخلوا جحر ضب لدخلناه؟
أعلم ما ستقول
لي.. فأنت ستذكر لي بأننا لو طبقنا ذلك، فلن يبقى عالم في الأمة.. وأنت تفعل ذلك..
فأنت ترفع بعضهم إلى درجة القديسين، وتنزل بآخرين إلى درجة الشياطين.. وأنت لست
ملوما في الرفع والخفض، ولكنك ملوم في أولئك الذين رفعتهم، وأولئك الذين خفضتهم.
أنت بفعلك ذلك
حولت قطاع الطرق إلى شرطة تحمي الناس، وحولت الشرطة إلى قطاع طرق.. ذلك أنك ذهبت
إلى كل أولئك العلماء المتواضعين الزاهدين الممتلئين بالحكمة؛ فرميتهم في أتون
عذابك، وذهبت إلى أولئك المستكبرين الممتئلين غرورا، والداعين إلى كل ألوان الفتن،
فرميتهم في جنتك.. وذلك ما سبب فتنا كثيرة.
فعامة الناس لا
يأخذون دينهم إلا عن العلماء، وهم يختارون ما يختار لهم أمثالك، فإن دللتموهم على
الهداة اهتدوا، وإن دللتموهم على المضلين ضلوا.
وللأسف.. أنت
كنت من الذين دعوهم إلى المضلين.. لأنك لم تستند للمعايير التي وضعها ربك في وصف
العلماء الصالحين الصادقين..
وأول أوصافهم
وأعظمها عدم ركونهم للدنيا وأهلها، فهم زاهدون فيها، وفي أمرائها وملوكها، لا
يبيعون دينهم بشيء.. ولا يحكمون إلا بما يرون أنه الحق.
ولذلك وصف الله تعالى
بعض قطاع الطرق ممن كان عالما، ثم تحول إلى لص من اللصوص بتثاقله للدنيا وأهوائها،
فقال: ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا
فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175)
وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ
وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ
يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ