لقد ورد في
الرواية أن رجلا قال للنبيّ a: علّمني، فقال: (اذهب،
ولا تغضب)؛ فقال الرّجل: قد اكتفيت بذلك، فمضى إلى أهله فإذا بين قومه حرب قد
قاموا صفوفا، ولبسوا السلاح؛ فلمّا رأى ذلك لبس سلاحه، ثمّ قام معهم، ثمّ ذكر قول
رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم: (لا تغضب)، فرمى السلاح، ثمّ
جاء يمشي إلى القوم الّذين هم عدوّ قومه، فقال: (يا هؤلاء ما كانت لكم من جراحة أو
قتل أو ضرب ليس فيه أثر فعليّ في مالي أنا أوفيكموه)، فقال القوم: (فما كان فهو
لكم نحن أولى بذلك منكم)، فاصطلح القوم وذهب الغضب[1].
أرأيت أيها
الرفيق العزيز كيف استطاع هذا الرجل ـ بفضل وصية رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم
ـ أن ينجي قومه من الحرب، ومن غير أن يصرف دينارا واحدا.
ولهذا لم يكن
الغضب هو الدليل على قوة الشخصية، بل الدليل عليها هو السكون والهدوء والحكمة
والتؤدة، وقد سأل رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم أصحابه، فقال: (ما
تعدّون الصرعة فيكم؟) قالوا: (الّذي لا يصرعه الرّجال)، فقال a: (ليس ذلك، ولكنّ الّذي يملك نفسه عند الغضب)[2]
وقال في حديث
آخر: (ليس الشّديد بالصرعة إنّما الشّديد من يملك نفسه عند الغضب)[3]
هذه وصايا رسول
الله a لك ولي.. ولو أننا التزمنا بها، فإننا لن نكف عنا
فقط شر الدنيا وأهلها، وإنما نكف عنا شرور الآخرة أيضا، فمن المحال أن نتصرف بغضب،
ثم لا نقع بعدها في الخطيئة، وكيف يكون الأمر كذلك، والشيطان ما نفخ فينا نيران