البشر.. حيث لم
تطلبوا من الله تعالى أن يهديهم سواء السبيل، ولا أن يريهم الحق حقا ويرزقهم
اتباعه، والباطل باطلا، ويرزقهم اجتنابه، وإنما رحتم تدعون عليهم بأن يجمد الدماء
في عروقهم، ويزلزل الأرض من تحتهم، ويدخلهم جهنم وبئس المصير.
وكنتم تتلذذون،
وأنتم تدعون بمثل هذه الدعوات، لأنها المتنفس الذي تتنفس به نفوسكم المملوءة
بالأحقاد.. على الرغم من أنكم تقرؤون أن رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم،
وبعد أن قوبل بما قوبل به من معارضة أهل الطائف والمشركين في مكة المكرمة، لم يدع
بتجميد دماء مخالفيه، وإنما راح يتضرع إلى الله بأن يهديهم سواء السبيل، بل يعتذر
لهم؛ فيقول: (اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون)[1]
بل إنه a قال
ذلك يوم أحد، عندما شُج وجهه وقيل له: ألا تدعو عليهم؟ قال: (اللهمَّ أهد قومي
فإنهم لا يعلمون)، ونزل بعدها قوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ
وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ } [القصص: 56][2]
وقد قال ذلك في
حق المشركين، بل كان يقول مثله وأكثر منه في دعواته للمنافقين، لا بأن يهديهم الله
فقط، وإنما بأن يغفر لهم ويرحمهم.. حتى نهي عن ذلك، قال تعالى: {اسْتَغْفِرْ
لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً
فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ
وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 80]
وهكذا قال
إبراهيم عليه السلام لذلك الذي أراد رجمه، ونفيه، فقد قال له ـ كما يذكر القرآن
الكريم ـ: {سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي
حَفِيًّا (47) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو
رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا} [مريم: 47، 48]، وكان
حريصا عليه وعلى أعدائه، حتى وصفه الله تعالى بقوله: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ