بل إني أراك لا
تقدم أولئك المشايخ والعلماء فقط على رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم،
وإنما أراك تقدم أولئك الظلمة والمستبدين الذين رغبوا عن سنة رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم إلى سنن كسرى وقيصر وشارون وهتلر، فقد سمعتك مرات
كثيرة تشيد برسالة هارون لملك الروم، والتي يقول له فيها: (من هارون أمير المؤمنين
إلى نقفور كلب الروم، قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة، والجواب ما تراه دون أن
تسمعه، والسلام)
ولم أسمعك، ولو
مرة واحدة تشيد برسالة رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم
إلى ملك الروم، والتي يقول له فيها بكل أدب ولطف: (بسم الله الرحمن الرحيم، من
محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد، فإني أدعوك
بدعاية الإسلام أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، وإن توليت فإن عليك إثم
الأريسيين، و﴿قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ
بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ
شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ
تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران:
64]([4])[1]
ألم تلحظ في هذه
الرسالة كيف خاطب رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم ملك الروم، بذلك الأدب واللطف، وقد سماه عظيم الروم،
ولم يسمه كلبهم.. وكيف ملأ رسالته بتلك الألفاظ الجميلة الممتلئة بعطر السلام
(سلام، الإسلام، أسلم، تسلم، وأسلم، مسلمون) التي ملئت بها الرسالة؟
تلك هي سنة رسل
الله a، وورثته الصادقين، الذين رغبت عنهم ـ أيها الرفيق
العزيز ـ ورغبت قبل ذلك عن القرآن الكريم الذي علم الله تعالى فيه نبييه موسى
وهارون عليهما السلام كيف يخاطبان فرعون الطاغية المستبد الذي ادعى الألوهية،
فقال: { اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا
لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: