أيها الرفيق
العزيز.. يحزنني أن أعاتبك على تضييعك لتلك الأوقات الثمينة، والمداد الكثير، في
الحديث مع خصومك؛ لا عن الحقائق الناصعة، أو أدلتها الباهرة، وإنما عن نفسك،
وتبرئتها من التهم التي ينسبونها إليك، والتي تعتقد سلامتك منها.
فما يضرك أن
يفعلوا ذلك، ما دام الله يعلم براءتك، وما دامت الملائكة الموكلة بالكتابة لم تسجل
عنك ما يرمونك به، وما دمت موقنا أن كل تلك التهم لن توضع في ميزان سيئاتك يوم
القيامة، بل سيوضع بدلها صبرك الجميل، وردك الطيب على خصومك.
لذلك لا تبالغ
في الدفاع عن نفسك، واكتف بأن تذكر لخصومك في جملة واحدة براءتك من تلك التهم،
وأنهم يمكنوا أن يتأكدوا بما أتيح لهم من وسائل، ثم لا عليك بعدها أن يفعلوا أو لا
يفعلوا.. اكتف فقط برمي الكرة في ملعبهم، ثم دعهم وشأنهم معها.
هكذا كان منهج
الرسل عليهم الصلاة والسلام، فقد أمر الله تعالى رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم
بأن يقول لخصومه الكثيرين مع كفرهم وعنادهم الشديد: { لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا
أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [سبأ: 25]، ثم أمره بأن يذكر لهم
أنه عند لقاء الله ستنكشف الحقائق، ويميز المجرم من البريء، قال تعالى: {قُلْ
يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ
الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ } [سبأ: 26]
ولذلك نرى الرسل
عليهم الصلاة والسلام لا يشكون إلى الله تلك الاتهامات التي اتهمهم بها قومهم،
وإنما يشكون إليه إعراضهم عن الله؛ فذلك وحده ما يؤلمهم.
وقد ذكر الله
تعالى عن نوح عليه السلام شكواه الطويلة مع الله، والتي لم يذكر