فيها سوى
الإعراض عن الله، لا كل أصناف السخرية التي ووجه بها، قال تعالى: {قَالَ نُوحٌ
رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ
إِلَّا خَسَارًا (21) وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22) وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ
آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ
وَنَسْرًا } [نوح: 21 - 23]
وهذا هو منهج
روثتهم الذين غابوا عن أنفسهم، وفنوا عن أهوائهم، وصار الحق قبلتهم، فلم يعد يهمهم
ما يقول الناس فيهم، وإنما يهمهم أن يقبل الناس على الحق، ويقتنعوا به، لذلك لم
يكونوا يضيعون دقيقة واحدة في الدفاع عن أنفسهم، وإنما كانوا يقضون كل أوقاتهم في
الدفاع عن الحقائق، فمن عرف الحقائق، سيسهل عليه بعد ذلك أن يعود إلى وعيه، ويصحح
ما وقع فيه من أخطاء، ويتراجع عما أشاعه من تهم.
وسبب ذلك كله طمأنينتهم
بأن ما ينالهم من سخرية أو اتهامات ضريبة دعوتهم إلى الله، ولذلك يحتسبون أجرها
عند الله، ولا يشعرون بأي ألم، وهم يواجهونها، بل إنهم يتلذذون بها، لاعتبارهم لها
سهاما مصوبة عليهم أثناء جهادهم في سبيل الله.
وكيف ينفرون
منها، أو يتألمون لها، وهم يشعرون أن الله بعظمته وجلاله يدافع عنهم، فقد قال
تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا
يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} [الحج: 38]
لست أدري ـ أيها
الرفيق العزيز ـ مدى اقتناعك بما ذكرت لك؛ فقد سمعتك مرة تذكر ما قام به بعض
العلماء من كتابة الكتب في الدفاع عن نفسه، والرد على خصومه، وجعلت ذلك هديا لك
تسير عليه، مع أن الله تعالى لم يجعل لك الأسوة إلا في الأنبياء وورثتهم من
الصادقين المخلصين الذين فنوا عن أنفسهم وأهوائهم.
وإن شئت أن تتخذ
غيرهم، فاتخذ أئمة أهل بيت النبوة، أولئك الذين أوصى بهم رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم، واعتبرهم سفينة النجاة التي يغرق من لم يركبها..
فقد كانوا جميعا مع