الآلام التي
صبت عليهم جبالا من الصبر والحلم والأخلاق العالية.
وقد روي عن
مجتباهم الإمام الحسن ـ سيد شباب أهل الجنة وريحانه رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم ـ أنه لقيه رجل من أهل الشام، فراح يسبه ويسب أباه
سبا شديدا بذيئا.. لكن المجتبى نظر إليه، فرآه غريبا، فقال له ـ وكأنه لم يسمع ذلك
السباب الشديد ـ: (أحسبك غريبا.. فمل بنا؛ فإن احتجت إلى منزل أنزلناك، وإلى مال
آسيناك، أو إلى حاجة عاوناك!)[1]
هكذا أجابه
الإمام المجتبى، الذي لم يدخل معه في خصومة، ولم يستعمل أي وسيلة للتشهير به أو
إيذاءه مع أنه كان يملك القدرة على ذلك، بل نظر إليه من زاوية تكليفه الشرعي، وهو
الاهتمام بالغريب وعابر السبيل.
ومثل ذلك ما روي
عن الإمام السجاد الذي يذكر المؤرخون أن أمير المدينة الأموي هشام بن إسماعيل كان يؤذيه
كثيراً؛ فلما عزل من منصبه، وأمر الوليد أن يوقف أمام الناس للقصاص، مر به الإمام
السجاد، وألقى عليه التحية والسلام، وطلب من خاصته وأصحابه أن لا يتعرضوا له بسوء
حتى ولو بكلمة جارحة، فلم يجد هشام إلا أن يقرأ قوله تعالى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ
رِسَالَتَهُ } [الأنعام: 124][2]
وروي أن رجلا
شتمه، فقصده بعض مرافقيه، ليرد عنه، فقال لهم: (دعوه فإنّ ما خفي منّا أكثر ممّا
قالوا)، ثمّ قال له: أ لك حاجة يا رجل؟ فخجل الرجل، فأعطاه الإمام السجاد ثوبه،
وأمر له بألف درهم، فانصرف الرجل صارخاً، وهو يقول: (أشهد أنّك ابن رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم)[3] [5].