والثاني والثالث
لم يفعلوها.. ولست أدري من أين لك بعصمة تلك القرون، وأنت تعلم البدع الخطيرة التي
ارتكبوها، والتي لم يقع مثلها في سائر القرون.
فهل تريد من
خلفك أن يقتدي بسلفك في رمي الكعبة بالمنجنيق، أو في حصار أهل المدينة المنورة،
واستباحة أهلها وقتلهم وتشريدهم وهتك أعراضهم؟
أم تريد منهم أن
يقتدوا بسلفك في محاربة إمام الأمة ذلك الذي اعتبره رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم سراطا مستقيما، ومنبعا من
منابع الهداية، واعتبر حبه إيمانا، وبغضه نفاقا؟
أم تريد منهم أن
يقتدوا بسلفك في ترك مجالسة العترة الطاهرة، والصحابة السابقين الصادقين لينهلوا
علمهم من الطلقاء وأبناء الطلقاء، واليهود وتلاميذ اليهود؟
دعك من سلفك
وخلفك، وعد إلى ربك، وتواضع في عبوديتك له، ولا تكن حجابا بين غيرك، وبين خير يقدم
عليه، أو يؤمن به، يفعل ذلك اجتهادا أم تقليدا؛ فأنت مسؤول عن نفسك، ولست مسؤولا
عن غيرك، ولست ملزما بأن تفرض قناعاتك على غيرك؛ فلغيرك علماء ومجتهدون لا يقلون
عن علمائك ومجتهديك.
إنك بتصرفاتك
تلك ـ أيها الرفيق العزيز ـ تمارس ما كان يقوم به المشركون في عهد رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم
بكل دقة، فقد وصفهم الله تعالى فقال: { وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ
إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [الأنعام: 26]، وقال عن فريق منهم: {أَرَأَيْتَ
الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى } [العلق: 9، 10]
بل إن مشاهد
القيامة التي ذكرها القرآن الكريم عن رفاق السوء، تكاد تنطبق عليك، ذلك أن كل من
حذرتهم من تلك التي سميتها بدعا، قطعت تلك الحبال التي كانت تربطهم بربهم ونبيهم..
وقد قال تعالى يصف الأصدقاء من أمثالك: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى
يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27)
يَاوَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي
عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ
خَذُولًا}