أيها الرفيق العزيز.. لا تغرنك
الدموع؛ فحتى التماسيح يمكنها أن تبكي.. وحتى أولئك الممثلين الممتلئين بالقسوة
يمكنهم أن يملأوا مآقي مشاهديهم دموعا، وكيف لا يبكون وهم يعلمون أنهم سيقبضون
أموالا كثيرة، وجاها عريضا من وراء تلك الدموع التي سكبوها، وضحكوا بها علي وعليك
وعلى جميع المشاهدين.
وهكذا فعل أولئك الذين تدافع
عنهم من الظلمة، فأنا كلما ذكرت لك جرائمهم في حق الإنسانية، والدماء التي سفكوها،
والأعراض التي انتهكوها، رحت تنهاني بورعك البارد عن نقدهم أو لومهم أو توبيخهم أو
الإنكار عليهم، ثم تحكي لي قصصا لا تختلف عن تلك المسلسلات التي نشاهدها، والتي قد
نلتفت فيها للدموع، ولا نلتفت لما وراءها.
فهل تكفي تلك الدموع لغسل
خطاياهم وجرائمهم؟.. وهل جعل الله الدموع وسيلة لإبراء الذمم؟.. وبذلك فإن القاتل
ليس محتاجا لأن يدفع دية القتيل، ولا لأن يقدم رقبته ليقتص منه، بل يكفيه أن يذكر
القتيل، ثم يبكي، ويردد بعض كلمات الثناء عليه، مثلما فعل معاوية الذي احتال على
عقلك وعقول الملايين بتلك الدموع التي كان يسكبها أمام حاشيته، ويسكب معها أضعاف
أضعافها دماء.
لا زلت أذكر ثناءك عليه عندما
قصصت علي بكاءه على الإمام علي، واعتبرت تلك الدموع صكا ببراءته من كل الحروب التي
قام بها في وجهه.. لقد ذكرت لي ما رواه المغيرة أنه قال: لما جاء خبر قتل علي إلى
معاوية جعل يبكي، فقالت له امرأته: أتبكيه وقد قاتلتَه؟ فقال: (ويحكِ إنك لا تدرين
ما فقد الناس من الفضل والفقه والعلم)[1]