الأمور، ليرى
الله وملائكته ورسله وكل شيء الجهة التي تميل إليها قلوبنا.. هل تميل إلى الحق،
وتحرص عليه، وتضحي في سبيله بكل شيء، حتى بعلاقاتها القريبة والبعيدة، أم تميل إلى
أهوائها، فتتقلب كما تتقلب الكرة في أرجل الصبية؟
وحينها يحصل لها
ما حصل لذلك العاقل المشرك الذي قرأ القرآن الكريم، وأعجب إعجابا شديدا بجماله، بل
رأى فيه الإعجاز عينه، وكان في إمكانه حينها لو آثر الحق، أن يصيح ملء صوته مناديا
به.. لكنه عندما فكر وقدر، رأى أنه لو صاح بذلك، فسيخسر جميع أصدقائه، ولن تبقى له
حينها تلك المكانة الاجتماعية التي تبوأها بين قومه.. ولذلك راح يرضيهم على حساب
الحق.
لا شك أنك قرأت
قصته في القرآن الكريم، فقد قال الله تعالى مخاطبا لي ولك حتى لا نكون مثله: {ذَرْنِي
وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (12) وَبَنِينَ
شُهُودًا (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15)
كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا (16) سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا (17)
إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ
قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ
وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا
إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) } [المدثر: 11 - 25]
ولهذا نهانا
الله تعالى أن نجامل أحدا أيا كان على حساب الحقيقة، فقال: {قُلْ إِنْ كَانَ
آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ
وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ
تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي
سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا
يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 24]
وأخبرنا فوق ذلك
ذلك كله بأن الحق ثقيل، وأن الالتزام به مكلف، لأن أكثر الخلق ينفرون منه، ولا
يحبون إلا من يرضيهم على حسابه، قال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ
جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (70) وَلَوِ اتَّبَعَ
الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ