عنك.. لكني أحذرك من أن تعترض على ربك الذي خلق ذلك،
فهو ما خلقه ليعذبك، وإنما ليربيك، ولتتعلم من هذه الأجواء علوما كثيرة لا يمكنك
أن تتعلمها في المدارس، ولا من الأساتذة.
ولذلك كان من
اختبار الله لعباده أن جعل بيته الحرام في تلك البلدة التي وصفها الله تعالى بقوله
ـ على لسان إبراهيم عليه السلام ـ: { رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي
بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا
الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ
مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم: 37]
وقد ذكر الإمام
علي سر ذلك، وعلاقته بالاختبار الإلهي، فقال: (ألا ترون أن الله سبحانه اختبر
الأولين من لدن آدم صلوات الله عليه، إلى الآخرين من هذا العالم، بأحجار لا تضر
ولا تنفع، ولا تبصر ولا تسمع، فجعلها بيته الحرام الذي جعله للناس قياما، ثم وضعه
بأوعر بقاع الأرض حجرا، وأقل نتائق الدنيا مدرا، وأضيق بطون الأودية قطرا، بين
جبال خشنة، ورمال دمثة، وعيون وشلة، وقرى منقطعة، لا يزكو بها خف، ولا حافر ولا
ظلف، ثم أمر آدم عليه السلام وولده أن يثنوا أعطافهم نحوه، فصار مثابة لمنتجع
أسفارهم، وغاية لملقى رحالهم، تهوي إليه ثمار الأفئدة من مفاوز قفار سحيقة، ومهاوي
فجاج عميقة، وجزائر بحار منقطعة، حتى يهزوا مناكبهم ذللا يهللون لله حوله، ويرملون
على أقدامهم شعثا غبرا له، قد نبذوا السرابيل وراء ظهورهم، وشوهوا بإعفاء الشعور
محاسن خلقهم ابتلاء عظيما، وامتحانا شديدا، واختبارا مبينا، وتمحيصا بليغا، جعله
الله سببا لرحمته، ووصلة إلى جنته) [1]
ثم ذكر قدرة
الله المطلقة على أن يجعل بيته في محل آخر، أكثر راحة، وأفضل