ولم يكن ذلك هو حجابهم الوحيد، بل إنه يحال بينهم
وبين الكلام مع الله، أو بثهم شكاواهم إليه.. فقد قال تعالى يصف حال الجاحدين
الظالمين الذين وضعوا بينهم وبين ربهم الحجب:{اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ
(108) إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ
لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ
سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110)
إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ}
[المؤمنون: 108 - 111]
فاحذر يا بني من
هذه الحجب .. فهي الحجب الحقيقية، وما عداها أوهام وسراب لا قيمة له.. فما قيمة أن
يحجبنا ذلك المدير إن أذن لنا الله؟.. وما قيمة أن يأذن لنا إن حجبنا الله؟
لقد دخل بعض
الصالحين مدينة، فتبعه خلق كثير، فلما نظر إليهم وإلى ازدحامهم عليه، قال: (اللهم
إني أعوذ بك أن تحجبني عنك بهم، و أعوذ بك أن تحجبهم عنك بي)
هكذا يا بني
فليكن حالك.. فاحذر من أن تسكن لشيء فتحجب به عن ربك، فيكون وبالا عليك، فلا خير
في راحة تكون معها القطيعة، ولا خير في دنيا تحرم من الآخرة، ولا خير في مال أو
جاه تتبعه خسارة الأبد.
وقد قال بعض
الصالحين: (لو أن رجلا دخل إلى بستان فيه من جميع ما خلق الله تعالى من الأشجار،
عليها من جميع ما خلق الله تعالى من الأطيار، فخاطبه كل طائر منها بلغته، وقال:
السلام عليك يا ولي الله، فسكنت نفسه إلى ذلك كان في يدها أسيرا)
فلذلك افرح يا
بني بفضل الله عليك أن حجب عنك بعض المصالح، فهو ما حجبها عنك ليعذبك، وإنما حجبها
ليرفعك، ويربيك، ويلقنك فنون الحكمة.