لقد أشار القرآن الكريم إلى استعمال المستبدين لهذه
الوسائل، فقال: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا
فَاسِقِينَ } [الزخرف: 54]، فالآية الكريمة تشير إلا أنه لا ينفع المستبدين شيء مثلما
تنفعهم خفة عقول شعوبهم، والتي تعيش الأوهام التي تسربها لهم تلك التي يسمونها
فنونا.
لا تحسب أني ـ
يا بني ـ ضد الفنون وجمالها.. فالفن نعمة من نعم الله العظمى على عباده، لأنه
وسيلة من وسائل البيان التي نعرف بها الحقائق، وننشرها، ونتبين بها القيم، ونحققها
وندعو إليها.
لكن البشر أو
أكثرهم، بدل أن يستعملوا هذا البيان الذي أتاحه الله لهم في نشر قيم الفضيلة،
راحوا ينشرون قيم الرذيلة.. وراح الخلق يتبعهم فيها، ويتأثر بهم بسببها.
ومثلهم في ذلك
مثل تلك الأسلحة التي أمر الله بالإعداد لها، والاهتمام بها، لتحصين جبهة
المستضعفين، فتحولت في أيدي المستكبرين إلى وسيلة للقهر والظلم والاستبداد
والاستعمار.
وهكذا كان الفن
نوعا من أنواع الاستعمار.. لأنه يستعمر حقيقة الإنسان، ويدمر ملكاتها، والقيم التي
فطرها الله عليها.
ألا ترى
المشاهدين الذي يزعمون لأنفسهم الالتزام يتجنبون في حياتهم كل ما يسيء إليها..
لكنهم عند مشاهدتهم لتلك الأفلام والمسلسلات، يتخلون عن كل القيم التي يؤمنون
بها.. ويصبح كل شيء عندهم بسيطا يسيرا عاديا.. فالخمر تشرب أمامهم، ولا يتغيرون
لها.. والمنكرات تقع أمام أعينهم، ولا تتحرك قلوبهم لإنكارها.. بل قد تعجبهم.. وقد
يشجعون البطل الذي يمارسها.
إن ذلك ـ يا بني
ـ هو مقدمة لإخراج الحرج من المعاصي من القلوب، وتحويلها إلى أشياء عادية..
فالشيطان لا يُدخل الإنسان عالمه دخولا مفاجئا، وإنما