والخلق ـ يا بني
ـ مثل المرضى أمام الأطباء، فإن هم تمردوا على الأدوية التي أمروا بشربها، والحمية
التي أمروا باستعمالهم، فإن الأمراض ستفتك بهم لا محالة إلى أن يصبح الدواء نفسه
غير ذي جدوى فيهم.
لذلك كله، فإن
الحرية التي ينادي بها كل أولئك .. ليست سوى تمرد على سنن الكون ونظامه الذي أسسه
الله عليه، لتمتلئ الحياة بالسلام، وتمتلئ النفوس بالطمأنينة، وتمتلئ المجتمعات
باحترام بعضها بعضا، وسعي بعضها في مصالح بعض.
ولذلك فإن الحرية
الحقيقية يا بني .. هي أن تشعر بصلتك بربك، وأنك بعبوديتك له، تكسب كل الكمالات
التي تحتاجها.. وتنال كل الفضائل التي تهيء روحك للمراتب العالية.. تلك المراتب
التي يستحيل على المتمردين أن يصلوا إليها، أو يدركوا مدى جمالها ورقتها وعذوبتها.
لذلك كانت
الحرية هي عين العبودية.. فمن لم يعبد ربه سقط في عبادة الشيطان.. وبعبادته
للشيطان يسقط في عبادة نفسه وهواه.. وعندما يؤول الأمر به إلى ذلك تغلق عليه جميع
أبواب الخير، وتفتح عليه جميع أبواب الشر.
لقد ضرب الله
لنا المثال على ذلك في القرآن الكريم بنهي الله تعالى لآدم عليه السلام عن الأكل
من الشجرة.. بينما أتاح له الحرية في الأكل من غيرها.. لكن الشيطان بوساوسه لم
ينظر إلى كل ما أتيح للإنسان، وأبيح له، وإنما راح يلفت انتباهه إلى ما حرم عليه،
ليجعله متوهما أن كل الجمال والكمال في ذلك الممنوع.
وعندما أكل
الإنسان من الشجرة التي منع من الأكل منها، عرف أن الله تعالى ما نهاه عن الأكل
منها إلا رحمة به.. فالآكل من تلك الشجرة لا يمكن أن يبقى في