أمه عليه، قيود تحد دون حريته في الغذاء.. فيتركها..
ويلقى كل أصناف البلاء بذلك.
وهذا المثل يا
بني ليس بعيدا .. بل هو عين الحقيقة التي رآها العارفون رأي العين.. فالخلق جميعا
ـ كما قال الحكماء ـ أطفال في حجر الحق[1] ..
والله ـ بكرمه ولطفه ـ يتعامل معهم بكل ألوان الحنان.. ويغدق عليهم كل ما ينفعهم
من ألوان الفضل.. وإن حرمهم من شيء، فإنه لا يحرمهم منه إلا رحمة بهم، مثلما تفعل
الأم عندما تحرم ولدها من الطعام الذي يضر بمعدته؛ فإن تمرد الولد عليها، وأكل ما
يضره، طلبا لحريته، لم ينل من ذلك إلا الضرر لنفسه.
والخلق ـ يا بني
ـ أطفال في مدرسة رب العالمين.. والله يسير بهم وبهممهم.. ويعلمهم من الاختبارات
التي يضعهم فيها، كيف يرتقون إلى أعلى العليين، وكيف يخرجون من مستنقعات أسفل
سافلين.. فإن هم تمردوا على تلك الاختبارات، وعصوا من أمروا بطاعته، وتجاوزوا حدود
الله طلبا لحريتهم، لم ينالوا إلا ما يناله أولئك المشاغبون الذين لا ترضي نزواتهم
إلا التمرد على أساتذتهم ومقرراتهم ودروسهم، ثم لا ينالون بعدها إلا الفشل .. ليس
في مدارسهم فقط، وإنما في حياتهم جميعا.
والخلق ـ يا بني
ـ مثل أولئك الأطفال الذين يحتاجون إلى رعاية خاصة، تحمي نفوسهم من العقد، وتلقي
بهم في الحياة إلقاء جميلا.. فإن هم تمردوا على ذلك طلبا لحريتهم الوهمية، امتلأت
نفوسهم بالعقد، وامتلأت حياتهم في مجتمعاتهم
[1] وقد ورد في الحديث ما
يشير إلى هذا، فقد روي أن رسول الله a رأى امرأة قد فرق بينها وبين ولدها، فجعلت كلما
وجدت صبياً أخذته فألصقته بصدرها وهي تبحث على ولدها، فلما وجدته ضمته إليه
وألقمته ثديها، فقال رسول اللّه a: (أترون هذه طارحة ولدها في النار وهي تقدر على أن
لا تطرحه؟)، قالوا: (لا يا رسول اللّه)، قال: (فواللّهِ، للُّه أرحمُ بعباده من
هذه بولدها) (البخارى (5/2235، رقم 5653) ، ومسلم (4/2109، رقم 2754)