ما أكثر أوهام الخلق في الحرية يا بني .. إنها السبب
الأكبر في كل ما يحصل لحياتهم وحقائقهم ولطائفهم من مآس..
فإبليس لم يمتنع
للسجود لآدم عليه السلام، ولم يتجرأ على مخالفة ربه، إلا طلبا لحريته التي بلغ به
سعيه في الحصول عليها أن يستكبر على الله، ويأبى الخضوع له، ويتمرد على من طُلب
منه أن يبدي له احترامه وتقديره، ويحييه بالتحية التي تليق به.
وفرعون عندما
صاح قائلا:{ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات: 24] لم يكن دافعه لذلك إلا
تلك الحرية التي شعر بها، وجعلته يحاول الخروج من كل الكون ونواميسه، لينشئ لنفسه
كونا خاصا يكون هو إلهه.
وأقوام
الأنبياء، والملأ الذين استكبروا منهم لم يتكبروا على تلك الجواهر المقدسة التي
أرسلها الله لهم لهدايتهم إلا طلبا لتلك الحرية الوهمية المزيفة التي صورت لهم أن
الانتساب لله، سيلغي انتسابهم لأنفسهم، وسيمنعهم من حرية التحرك وفق ما تقتضيه
أهواؤهم ونفوسهم الأمارة بالسوء.
وسارتر ـ ذلك
الذي يزعمون أنه حكيم، والذي حدثتني عن أنبائه ـ لم يتمرد على ربه إلا بعد أن شعر
أن وجود الله يلغي وجوده، وأنه كي يتحرر يحتاج إلى أن يلغي الله من حياته.
وهكذا غيره ممن
يسمونهم فلاسفة وحكماء وأصحاب فكر نيّر.. كلهم واهمون.. لأنهم تعلقوا بوساوس
شيطانية زينت لهم التمرد، وسمته حرية.
وهم في ذلك مثل
الرضيع الذي يعتقد أن اكتفاءه بالحليب الذي تدره رحمة