مَا يَأْفِكُونَ } [الشعراء: 45]، حينها عرف السحرة
أن سند موسى عليه السلام أكبر من سندهم، فراحوا يجثون ساجدين، وهم يرددون: {
آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} [الشعراء: 47، 48]
حاول فرعون
حينها أن يستعمل بطشه الذي تعود أن يذل به رعيته، لكنه فوجئ بتلك الأنوف الشامخة،
والجباه المرتفعة، والنفوس الأبية.. لقد قالوا جميعا، وبصوت واحد، وبعزة نادرة:
{لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (50) إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ
يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ }
[الشعراء: 50، 51]
وفي مقابل هذا،
ينبئنا الله تعالى عن الذلة التي تنتظر كل من استند إلى عز غير عزه، فقد قال عن
المنافقين: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [النساء:
138]، ثم وصفهم بقوله: {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ
الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ
جَمِيعًا } [النساء: 139]
إن هذه الآية الكريمة
تصف بدقة من ذكرتهم لي يا بني من أولئك الذين راحوا يحذفون الإيمان عند تقييمهم
الإنسان.. فصار الملحد عندهم أفضل من المؤمن.. والغني أفضل من الفقير.. والمترف
أفضل من الزاهد..
وصار تقييمهم
للشعوب والدول على أساس ثرواتها وأموالها وأسلحتها وتطورها.. لا على أساس أخلاقها
وقيمها.
وصار حلم أحدهم
أن يظفر بالتأشيرة التي تنقله لتلك البلاد التي يراها عزيزة، ليصور نفسه في
ساحاتها وشوارعها، ثم يرسل صوره لأهل بلده الذين يحتقرهم، وكأنه في الجنة، وهم في
الجحيم.
لقد أخبر الله
تعالى أن هذا الصنف من المنهزمين نفسيا، وأنهم وإن عزوا في ظاهرهم إلا أن باطنهم
مملوء بالذلة والخضوع والهوان.. ولهذا يتوهمون أن الغلبة