لا يمكن ـ يا بني ـ للحكيم أن يكون حكيما، وهو لا
يعرف السعادة، ولا حقيقتها، ولا كيفية الحصول عليها.. فالسعادة هي الغاية العظمى
التي من قصر في معرفتها، أو تاه عنها، ابتلي بالشقاء، وعاش محروما من أفضل ما خلق
الله من النعم على عباده.
ولذلك كان العلم
بها ليس مستحبا ولا فرضا فقط.. بل كان من الضرورات التي تميز العقلاء عن غيرهم..
فالعاقل هو الذي يبحث عن السعادة في محلها الصحيح، حتى لا تسلبه الشياطين عن نفسه؛
فتسقيه السموم المغلفة بغلاف السعادة، فيعيش شقيا، وإن ظن أو توهم أنه سعيد.
فالأمر في ذلك
يشبه تلك المخدرات التي يتناولها المدمن عليها؛ فيشعر للحظات بنشوتها ولذتها،
ويعيش بعض السعادة بتلك النشوة، لكن سمومها سرعان ما ترتد عليه، فيتحول إلى شقاء
عظيم لا يكاد يفلت منه إلا بتزويد جرعات السم.. وتزويد جرعات الشقاء.
والأمر يا بني
ليس قاصرا على المخدرات.. بل على كل الذنوب والمعاصي التي لا دور لها سوى حجب
حقيقة الإنسان عن قبلة السعادة الأبدية.. فيعيش بعض لحظات الوهم، ثم يشقى بعده
الشقاء الذي لا يمكن لذاته تحمله.
وحتى تستوعب هذا
ـ يا بني ـ فاعلم أن حقيقة الإنسان هي روحه، لا جسده، فالله ما خلق لنا هذا الجسد
الذي نعيش به على هذه الأرض إلا لفترة محدودة، ولضرورة الابتلاء، فلذلك كان معرّضا
لكل ألوان البلاء والفساد.. ونهاية البلاء هي تحوله إلى حالة لا يصلح معها
لاستعمال الروح له.. وحينها يعود الإنسان من جديد