لا تحسب ـ يا بني ـ أن العذاب الذي يسلط عليهم يكون
من طرف خارجي.. كلا.. بل إن أرواحهم هي التي تعذب.. لأن الروح نفخة من الله .. وهي
لا تسعد إلا بلقاء الله والتواصل معه ومعرفته.. فمن حرم روحه من هذه النعمة العظمى،
والسعادة الكبرى، شقيت في الدنيا قبل الآخرة.
بل إنك يا بني
لو تأملت كل مطالب أولئك الغافلين لوجدتها أنهم في حقيقتهم يبحثون عن الله..
ولكنهم يتيهون عنه بتلك الأصنام التي يعبدونها من دونه..
فهم يبحثون عن
الخلود الأبدي.. وليس ذلك إلا لله، وبالله، ومع الله.. فكل ما عداه وهم وسراب..
وهم يبحثون عن الراحة والسلام والطمأنينة، وليس ذلك إلا في صحبة الله..
وهكذا، فإنك لو
تأملت كل شيء وجدته عند الله.. ولذلك كانت السعادة في أن تكون مع الله، وفي كل
الأوقات والأحوال..
وقد روي أن
معروفا الكرخي سئل عن الهمة التي دفعته إلى الإرادة والمجاهدة والتبتل، فسكت
معروف، ليترك للسائل مجالا للتخمين، قال السائل: ذكر الموت، فقال معروف: وأي شيء
الموت؟ فقال: ذكر القبر والبرزخ، فقال: وأي شيء القبر؟ فقال: خوف النار ورجاء
الجنة، فقال: (وأي شيء هذا؟ إن ملكاً هذا كله بيده إن أحببته أنساك جميع ذلك وإن
كانت بينك وبينه معرفة كفاك جميع هذا)
لقد ذكر الله
تعالى ذلك، وبشر به، فقال: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ
مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ
بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97]
وذكر الطمأنينة
التي يجدها المؤمنون في صحبة الله، فقال: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ
قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}
[الرعد: 28]