وذكر المصير السعيد الذي يصيرون إليه، فقال مبينا ما
تقوله الملائكة للنفوس التي عاشت في صحبة الله: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ
الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28)
فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر: 27 - 30]
هذه يا بني هي
السعادة الحقيقية.. وهي سعادة عبر عنها كل من وجدها وذاقها.. ومما يدلك على كونها
الأكمل أن أكثر من ذاقوا هذا النوع من السعادة ذاقوا قبلها تلك السعادة الوهمية،
وقد تبين لهم مدى الفرق الكبير بينهما.
لقد حدث بعضهم
قال: وخرجت أنا وإبراهيم بن أدهم، وأبو يوسف الغسولي، وأبو عبد الله السنجاري،
نريد الإسكندرية فمررنا بنهر يقال له نهر الأردن فقعدنا تستريح وكان مع أبي يوسف
كسيرات يابسات، فألقاها بين أيدينا فأكلناها وحمدنا الله عز وجل، فقمت أسعى أتناول
ماء لإبراهيم فبادر إبراهيم فدخل النهر حتى بلغ الماء إلى ركبتيه. فقال بكفيه في
الماء فملأهما ثم قال: بسم الله، وشرب الماء ثم قال: الحمد لله، ثم إنه خرج من
النهر فمد رجليه ثم قال: (يا أبا يوسف لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من
النعيم والسرور لجالدونا عليه بالسيوف أيام الحياة)، فقلت: يا أبا إسحاق طلب القوم
الراحة والنعيم فأخطأوا الطريق المستقيم. فتبسم وقال: (من أين لك هذا الكلام؟)[1]
لقد كان هذا
الرجل الذي تحدث بهذه الكلمات من أصحاب الجاه والمال والسلطان، ولكنه عرف أن
السعادة الحقيقية في صحبة الله..