هل تعرف ـ يا بني ـ السر الذي جعل أكثر الخلق
يتثاقلون إلى الدنيا، ويضيعون طاقاتهم كلها في سبيلها.. إنه سبب بسيط، لكنه مع ذلك
ضروري، لا تكتمل حكمة الحكيم من دونه..
إنه الغفلة عن
كونها دنيا.. فهم يسمونها حياة فقط.. ولا يصفونها بكونها حياة دنيا.. ويتصورون
لذلك أنها البداية والنهاية.. وأنها الحياة الوحيدة المتاحة لهم.. ولذلك يتنافسون
فيها، ويتصارعون من أجل متاعها.. ويحاولون كل جهدهم أن يملأوا بطونهم من شهواتها
التي لا تنتهي.
وهم في ذلك
يشبهون الطفل الصغير الذي يختصر الحياة في لعبه؛ فيشغل كل وقته بها، وقد يصارع كل
شيء من أجلها.. وقد تعرض عليه الكنوز في سبيل أن يبيعها، فيرفض ذلك، لأنه يتوهم أن
لعبه أغلى من كل شيء.
وهكذا كل من
تراهم مستغرقين في الدنيا، ويتصارعون من أجل متاعها الزائل.. إنهم لا يختلفون
كثيرا عن ذلك الطفل الصغير، فعقولهم لا تختلف عن عقله، وإن بدا لهم أنهم كبار، وأن
لهم من حدة الذهن والذكاء ما لا يملكه.
ولذلك تراهم
يحنون إلى {الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ
الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ
وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ} [آل عمران: 14]، ويغفلون عن الصدقات والصلوات
والأعمال الصالحات.. لتوهمهم أن في ذلك المتاع السعادة، وأن في تلك التكاليف
المشقة.
مع أن تلك
التكاليف تحتضن كل ألوان السعادة والكمال.. فلولاها ما تحقق الإنسان بحقيقته، ولا
ترقى في سلم الكمالات الذي أتيح له.. ولا نال فضل ربه من