يا بني .. لا يمكنك أن تجمع بين دعوتك للحقيقة ودعوتك
لنفسك.. ولا دفاعك عن الحقيقة ودفاعك عن نفسك.. فعلامة صدقك مع الحقيقة ذوبانك
فيها، وفناؤك فناء تاما في جمالها وكمالها وبهائها بحيث لا ترى غيرها، ولو كان ذلك
المرئي نفسك.
ألم تعلم يا بني
ما قاله رسول الله a لذلك الرجل الذي ذكر له حبه له، وأنه يتجاوز
كل شيء إلا نفسه؟
لقد قال له:
(لا! والذي نفسي بيده، حتى أكون أحبَّ إليك من نفسك)[1]
أرأيت .. لقد دعاه
رسول الله a إلى أن يتجاوز في حبه له نفسه أيضا، لأنه لا
يمكن أن يجمع أحد بين ذلك الحب المقدس، وحب النفس..
فلا يمكن رؤية
الجمال المحمدي ورؤية النفس في وقت واحد..
فرؤية النفس
حجاب، والتعلق بها قيد، والركون لها سجن، والانشغال بها وبمطالبها همة دنية تمنع
من تلك الرحلة الجميلة التي تطير بها الروح إلى عوالم الكمال المهيأة لها.
يا بني .. لا
تظنن أن الفناء عن نفسك، هروب منها، أو تحقير لها، أو نزول بها إلى عوالم العدم
المظلمة..
كلا .. فمعاذ
الله أن يطلب رسول الله a من محبيه أن يفعلوا ذلك..
وإنما الفناء عن
النفس ارتقاء بها.. ذلك أنه لا يمكن أن يرتقي أحد، وهو ينظر إلى مرآة نفسه، بكل
نرجسية وعشق وإعجاب ..