فهل رأيت في الدنيا من وصل إلى الكمال، وهو معجب
بنفسه، يجثو أمام محرابها مصليا خاشعا؟
وهل رأيت أحدا
ارتقى في مراتب الكمال العلمي والعملي، وهو فرح بما عنده من العلم، مزهو بأعماله،
مستغرق في الإعجاب بها؟
كلا .. ومعاذ
الله أن تتاح تلك المراتب الرفيعة لمن هذا حاله.. فأول ما يتجاوزه الصديقون
أنفسهم، حيث يلقونها في عوالم الفناء، ليرتدوا حلة الحقيقة، ويذوبوا في جمالها.
وحين ذاك تكسر
أوانيهم لتظهر معانيهم.. فالأواني حجاب عن المعاني، ولا يمكن أن تصل للمعاني، وأنت
متعلق بالأواني.. وأول الأواني نفسك.
لقد قال بعض
الحكماء معبرا عن الجرائم التي يرتكبها من ينظر إلى نفسه، وينشغل بها عن النظر
للحقيقة والفناء فيها: (أصل كل معصية وغفلة وشهوة الرضا عن النفس، وأصل كل طاعة
ويقظة وعفة عدم الرضا منك عنها، ولأن تصحب جاهلا لا يرضى عن نفسه خير لك من أن
تصحب عالماً يرضى عن نفسه فأي علم لعالمٍ يرضى عن نفسه ؟ وأي جهل لجاهل لا يرضى عن
نفسه ؟)
هذا ما قاله هذا
الحكيم، وهذا ما يقوله عقلك وفطرتك.. فنفسك حجابك.. ولا يمكن أن تصل إلى روحك التي
هي محل سرك، وأنت مشغول بالنظر إلى نفسك.
يا بني .. لا
تظنن أني أدعوك لأن تفعل ما فعله الرهبان الذين راحوا يعذبون أجسادهم، ليقمعوا
أنفسهم.. فمعاذ الله أن أدعوك لتزدري نعم الله عليك، أو تخون أمانة هذا الجسد الذي
أودعه الله عندك، فلا يمكن لحياتك أن تستقر أو تستمر وأنت تعذب جسدك..
ما أردت يا بني
إلا شيئا واحدا، وهو ألا تنشغل بجسدك ومطالبه، ولا بنفسك