وأنت تعلم يا
بني أن الشيطان، وإن كان شرا محضا، فالله لم يخلقه كذلك، فتقدس الله أن يخلق الشر
المجرد.. ولكن الشيطان هو الذي اختار لنفسه ذلك.. وهو الذي طلب من الله ـ بعد أن
علم قدرته على كل شيء، وأنه لا يرفض من سأله ـ أن يتيح له استخلاص من يشبهه من بني
آدم.. حتى لا يعاقب دونهم.
واقتضى عدل الله
أن يتيح له ذلك.. فما كان للشيطان وحده أن يعاقب على خطئه في نفس الوقت الذي يوجد
فيه من يمكن أن يصير مثله.
لا أقول هذا يا
بني دفاعا عن الشيطان.. فهو لا يحتاج إلى دفاعي.. ولكني أقوله لأقرر لك الحقيقة،
ولتتحمل مسؤولية أفعالك، ولا تلقيها على أحد من الناس، حتى لو كان من شياطين الإنس
والجن..
فما دمت مختارا
وحرا وليس هناك من يكرهك.. فأنت مسؤول عن كل تصرفاتك.. ومحاسب عليها.. وليس لك أن
تبررها بأي شيء.. ذلك أن أي تبرير تذكره سيسقط في كير الامتحان الإلهي.
لقد ذكر الله
تعالى ذلك عن الشيطان، وأقره عليه، فقد أخبر أنه سيقف يوم القيامة أمام من أضلهم
ليقول لهم: { إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ
فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ
دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا
أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا
أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}
[إبراهيم: 22]
بل إن الله
تعالى أخبر أن براءته من بني آدم لا ترتبط بذلك اليوم فقط، بل في كل الأيام.. فهو
بعد أن يمارس دوره في التضليل والغواية، يفر تاركا لهم، غير متحمل مسؤولية جريرتهم،
قال تعالى: { كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا
كَفَرَ قَالَ